
ثمة أمور يجب توضيحها، قبل الحُكم على مسألة كسر الميكرفون في جلسة مجلس النواب الأخيرة واللّغط الذي دار بشأنها، فتصحيح الفهم أمر واجب، والتركيز على القضايا الأساسية وحقوق الشعب مسؤولية الجميع، وهي الأمانة التي يجب أن نضعها نُصب أعيننننا نواباً أو مسؤولين أو صحافةً أو مواطنين.
حري بنا كمواطنين مسؤولين بالدرجة الأولى عن حماية المال العام، أن نتساءل عن 500 مليون دولار خسائر تكبدتها الدولة، بل دفعها المواطن البحريني من دمه ولحمه وعصبه في شركة طيران الخليج، ومازال النزيف مستمراً؛ حيث تخسر الشركة 2 مليون دولار يومياً، نتيجة التخبط والعشوائية من جهة والفساد المستشري من جهة أخرى، فكم هي الاستراتيجيات التي طُرحت وفشلت؟ والشركات الاستشارية العالمية التي دخلت اللعبة، وجاء خبير وذهب خبير، والكل يغرف من القصعة الكبيرة، والشركة المدللة تتنقل من سيئ إلى أسوأ. فهذا أسترالي ومعه حاشيته أطلق وعوداً بالربحية المضمونة والازدهار، فباع الأصول وكبد الشركة خسائر فادحة، وتمت التغطية من المال العام بمئات الملايين.! وانتهت قصته بمكافأته بـ500 ألف دينار.! وجاء الخبير السويسري بحاشية جديدة، وأضاف للشركة أعباءً وخسائر مالية جديدة، ودخلت شركة ممتلكات اللعبة لشراء طائرات جديدة، طائرات أوروبية، ثم أمريكية من باب إرضاء الأطراف المستفيدة، وكانت النتيجة انتكاسة عالم الاستراتيجيات بكل ما تحتويه الكلمة من علوم وتقنيات، وزادت الخسائر والمصاعب المالية!.
وبعدها تم إطلاق استراتيجية الإنقاذ الأخيرة، ولا نعلم الهدف من إطلاق هذه الاستراتيجية؟ هل هي لإنقاذ مجلس الإدارة أم الشركة أم الموظفين؟، وللأسف فقد استلمنا شركةً مكسورة، وانتهينا بقلوب مكسورة أيضاً!. وأود الإشارة قبل الكلام عن الميكرفون، وفي نظرة سريعة إلى الفوضى العارمة في شركة ممتلكات التي تأسست منذ أكثر من ثلاث سنوات ويبلغ رأسمالها المكتتب حوالي 2 مليار دينار، وهي مع الأسف؛ تفتقر إلى أبسط الأسس المحاسبية والتنظيمية، وأوضح تقرير ديوان الرقابة المالية 2008 أنها مليئة بالتجاوزات والثغرات الكبيرة لعدم وجود الأدلة والإجراءات والأنظمة بالإدارات المختلفة، إضافةً للتخبط الواضح في القرارات والاستثمارات، وضخ أموال لا طائل لها في طيران الخليج وحلبة البحرين دون وجود خطة واضحة أو دراسة جدوى، فضلاً عن المصائب الأخرى الموضحة في التقرير التي لا يتسع المقام لذكرها، الأمر الذي يُظهر جلياً فقدان شركة ممتلكات لبوصلة الطريق، – هذا إن كان لها بوصلة في الأصل-!، بالرغم من كونها تمثل الذراع الاستثماري للحكومة، وكما قيل ”إن فاقد الشيء لا يعطيه”، فبعد فشلها الذريع في طيران الخليج لأكثر من سنتين من الوعود المؤكدة، تقوم بكل بساطة بإلقاء هذه الكرة الملتهبة في مرمى الحكومة!. ومع كل ذلك فإن الحكومة لم يمنعها الخجل من أن تخرج لنا ببدعة جديدة، محاولة ليّ عنق النصوص الدستورية، كحجة لعدم التعاون مع لجان التحقيق في طيران الخليج وممتلكات، محاولةً طمس حقيقة هذا الجبل من الفساد والفوضى والفشل، بالرغم من أن المسألة بكل بساطة لا تخرج عن كونها أموالاً عامة يجب أن تمتد إليها يد الرقابة البرلمانية، هذا البرلمان الذي يمثل إرادة الشعب.
مازلت أتذكر بأسى مشهد طوابير المواطنين البحرينيين يصطفون للتسجيل لعلاوة الغلاء أثناء زيارتي لهذه المراكز، فهذا شيخ كبير يُرَد بحجة أنه غير متزوج، وأخرى تُرفض لأنها أرملة أو مطلقة وليس لديها أبناء، وآخر لأن لديه سجلاً تجارياً ملغياً، وقارنت ذلك مع ما يحدث من مأساة في تبذير المال العام، وزادت غصتي عندما قارنته مع ما يحدث من وهب مساحات شاسعة من الأراضي والسواحل تصل قيمتها إلى مليارات الدنانير إلى جهات وأفراد لا تستحقها، والمواطن البحريني يئن تحت وطأة الحاجة والعوز والديون. وعودة إلى مسألة كسر الميكرفون التي أزعجت البعض، وبالرغم من أن ما حدث بغير قصد في لحظة انفعال، فقد خاطبت مكتب الرئيس لخصم كلفة الميكرفون من مكافأتي.. ولكن من يعوض كسر إرادة الشعب؟.