
سئل رجل الأعمال السعودي سليمان بن عبدالعزيز الراجحي عن طريقة تعامله مع المشاريع المتعثرة، خصوصا وأنه قد يلجأ أحيانا إلى طرق مبتكرة غير مذكورة في الكتب.
قال الراجحي: لقد كنت دائما أتفكر في المشاريع الناجحة في بلدان العالم، وأقول في نفسي هل هذه المشاريع أوحيت إليهم وحيا، وهل النجاح مقصور عليهم، سواء صناعة الطائرات أم السفن أم السيارات أم غيرها، إنها بالتاكيد لم تنزل عليهم من السماء، إنما هم استغلوا مواهبهم، ونحن أيضا لدينا مواهب وعلينا أن نستغلها.
يقول الراجحي أيضا إننا لا ينبغي أن نكون دائما مقلدين في كل شيء، بل علينا السعي للابتكار والإبداع، ولا يمنع أن يعترف المبتكر بأنه لا يحسن التصنيع، فيقدم فكرته للمختصين كل في مجاله، وعلينا أن نعلم أن الصناعة والزراعة والتطور لن تنزل علينا من السماء، نعم أصل الخير كله من السماء، ولكن علينا نحن تصنيعه، وأهم عطايا الله تعالى لنا هو العقل الذي ميزنا به عن بقية مخلوقاته، وإذا كانت عقولنا مثل عقولهم فلماذا ينجحون ونفشل نحن!
يحكي الراجحي في مذكراته قصة تجربته مع مشروع (دواجن الوطنية) لتربية الدجاج، حيث زار الكثير من مزارع الدجاج في العالم، وبسبب ما رآه هناك من ممارسات خاطئة بما في ذلك المزارع التي عليها إشراف شرعي، أصبح ينظر إلى مشروع الدجاج على أنه مشروع إسلامي ووطني وأمن غذائي قبل أن يكون تجاريا.
يقول الراجحي : عندها جلبنا المعدات اللازمة وكانت كلها أوربية الصنع، ووظفنا الخبراء والاستشاريين، وكان الخطأ الأول من المستشارين الذين صمموا لنا حظائر الدجاج وأنظمة التبريد والتهوية وحددوا لنا طريقة التغذية، وكانت النتيجة أن الدجاج يموت بمجرد أن يكبر قليلا، حتى وصلت نسبة النافق من الدجاج إلى 50 % ، ووصلت الخسائر إلى مليار ريال ما بين الخسائر الفعلية والفرص الضائعة، وقد احتار الخبراء الوطنيين وغير الوطنيين في حل المشكلة.
حينها – يقول الراجحي – تدخلت في المشروع بنفسي وغيّرت أماكن الحظائر وتصميمها من ألواح حديدية إلى طابوق أحمر مع العازل الحراري، وغيرت الأرضيات، وأنظمة التهوية والتبريد ونوعية الأعلاف المستخدمة في التغذية، وباعدت بين الحظائر، وطورت طرق صيد الدجاج، وغيرنا نوعية الأرضيات، وبفضل من الله انخفضت نسبة الدجاج النافق من 50 % إلى 6 %، ويمكننا القول الآن بأن النظام المتبع لدينا في تربية الدواجن هو نظام محلي أو تم تطويره محليا بما يتناسب مع ظروفنا.
مع هذا التغيير – يقول الراجحي – اكتشفنا أن الحظيرة الأوروبية كانت تكلفنا مليون وثلاثمائة ألف ريال، بينما الحظيرة التي طورناها لا تكلفنا أكثر من خمسمائة ألف ريال.
بعدها بدأت الخسائر التي وصلت إلى مليار ريال، تقل من 50 مليون سنويا، إلى 40 مليون، وهكذا حتى تلاشت الخسائر بعد عدة سنوات، وبدأ المشروع مؤخرا في تحقيق الأرباح، وارتفع الإنتاج من 180 ألف دجاجة في اليوم، إلى نصف مليون، ونحن الآن نتطلع إلى إنتاج مليون دجاجة يوميا.
هذه كلها لم نقرأها في الكتب، وإنما وصلنا لها بفضل الله تعالى، ثم بفضل الصدق في خدمة ديننا ووطننا، ثم المحاولة المستمرة والعمل المتواصل حيث كنا نبدأ من بعد صلاة الفجر وحتى المساء.
الراجحي بالمناسبة لم يكمل تعليمه النظامي، بل بالكاد درس شيئا، فهو لم يدرس إلا الصف الأول الابتدائي، كما أنه عمل في أول حياته حمّالا وبائع كيروسين، وطبّاخا، وغيرها من الأعمال وتدرج في الأعمال والنجاحات حتى وصل إلى ما وصل إليه اليوم.